أهلاً .. وسهلاً .. نحن سعداء بتشريفك لموقعنا ... فأهلاً بك عطْراً فوَّاحاً ينثرُ شذاه في كلِّ الأَرجاء ...أهلاً بك قلماً راقياً وفكراً واعياً نشتاقُ اليه ... اهلاً بكم نجوماً في سماءنا نحن
الأربعاء، 5 مارس 2014

بين ظلام القرية .....وأنوار العاصمة


بين ظلام القرية .....وأنوار العاصمة

لقد عشت أيام طفولتي الأولى في قرية صغيرة قلّ فيها من تعلّم , مُعدَمة المرافق تقريبا . ولكن كان أهلها طيبين يعبدون الله بفطرتهم السليمة ,وكان لهم "للإنصاف " بعض العادات التي تجعلك تقف مفكرا لاسيما وأنك قد تدرجتَ في مراحل التعليم وكان لديك - بفضل الله - قدرٌ من الفكر وإعمال العقل .
ومضى العمر على هذا النحو حتى أصبح لدىّ رفض تام لهذا الظلام والجهل و الخرافات التي يعيش فيها الناس , إلا أنني لا أستطيع أن أنكر أنني قد تعلمتُ وترسخ في كياني في هذه الفترة مجموعة من القيم والأخلاق الفطرية التي تتطابق مع تعاليم الإسلام .
ثم قررت بعد الحصول على شهادة الثانوية العامة أن أذهبَ بعيدًا إلى العاصمة حيث الأنوار والعلم والتكنولوجيا والانطلاق , فالتحقت بكلية دار العلوم جامعة القاهرة التي كان لها عامل ٌكبيرٌ في تأصيل تلك الأخلاق الإسلامية في شخصيتي  .
 ولما قدمت إلى القاهرة كنت منبهرًا بها جدًا وبكل ما فيها وتخيلت أن الحلم قد تحقق ولم أكن أدري ما وراء ذلك , وكنت بفضل الله من الأوائل على الكلية وعشت سنوات وردية كما يقولون لا أستطيع نسيانها .
 ولكن كل ما سبق ليس هو المهم ولست طه حسين حتى أكتب سيرتي الذاتية , وإنما المهم أنني لما التحقت بالوظيفة لأعمل مدرسًا في القاهرة بدأت المعاناةُ والمقارنة والحيرة بين ظلام القرية وأنوار العاصمة , فالناس في القاهرة في غمار هذه الحياة المادية الصعبة تجدهم يتلونون في معاملتهم الحياتية بصورة وشكل وفي المساجد والعبادة بصورة وشكل آخر قل إن شئت متناقضين إلا من رحم ربك , أفعالهم كثيرا لا تتطابق مع أقوالهم , حينها تيقنت أن الحياة العملية ليس لها علاقة بالحياة العلمية , وحاولت مرارًا وتكرارًا أن أتعايش وأواجه ولكن لم أستطع لأنها أخلاقيات مجتمع , شخص يواجه مجتمع !!!!!
فقررت العودة إلي القرية بعد حصولي على تمهيدي الماجستير , ولكن سرعان ما ندمتُ بعد عودتي حيث إنني وجدتُ القرية هي الأخرى قد تغيرت وتقدمت وتطورت ولكن أخلاقياتها قد تغيرت فلم أتحمل البقاء هناك طويلا فعدتُ إلى القاهرة مرة أخرى وحاولت الاندماج في المجتمع , إلا أنني تأكدت أن الأزمة الحقيقة  هي أزمة أخلاق  , فنحن نحتاج إلى التربية على الأخلاق الفاضلة منذ الصغر حتى تترسخ في كياننا وننجح في مقاومة الأخلاقيات الفاسدة كي ينهض مجتمعنا وتصبح لنا الريادة كما كانت سابقًا   .
     فهل سينجح مجتمعنا في تحقيق هذه المعادلة الصعبة ؟! هل سينجح في الجمع بين الأخلاق وتطبيقها على أرض الواقع والوصول إلي أعلى درجات التقدم والحضارة ؟ !
هل ستنجح أمتنا في تخليد ذكرها بأخلاقها ؟؟؟  كما قال الشاعر :
إنما الأمم الأخلاق ما بقيت               فإن همو ذهبت أخلاقهم ذهبوا .
هذا ما أرجوه من الله عز وجل لأمتنا الخالدة .
وما تزال رحلتي وحيرتي مستمرة بين ظلام القرية وأنوار العاصمة .

أ/ عبدالحميد هلال

0 التعليقات:

إرسال تعليق